الخميس، 26 نوفمبر 2009

ملخص كتاب طبائع الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي



مقدمة الكتاب

يقول الشيخ عبد الرحمن الكواكبي في مقدمة الكتاب أن: (كل يذهب مذهبا في سبب الانحطاط و في ما هو الدواء. وحيث أنى قد تمحص عندي أن اصل هذا الداء هو الاستبداد السياسي و دواءه دفعه بالشورى الدستورية . وقد استقر فكري على ذلك – كما أن لكل نبأ مستقر – بعد بحث ثلاثين عاما... بحثا أظنه كاد يشمل كل ما يخطر على البال من سبب يتوهم الباحث عند النظرة الأولى انه ظفر بأصل الداء أو بأهم أصوله , ولكن لا يلبث أن يكشف له التدقيق أنه لم يظفر بشيء . أو أن ذلك فرع الأصل , أو هو نتيجة لا وسيلة.
فالقائل مثلا : إن أصل الداء التهاون في الدين , لا يلبث أن يقف حائرا عندما يسأل نفسه لماذا تهاون الناس في الدين ؟ و القائل : إن الداء اختلاف الآراء , يقف مبهوتا عند تعليل سبب الاختلاف فان قال سببه الجهل يشكل عليه وجود الاختلاف بين العلماء بصورة أشد و أقوى .. و هكذا يجد نفسه في حلقة مفرغة لا مبدأ لها فيرجع إلى القول : هذا ما يريده الله بخلقه , غير مكترث بمنازعة عقله و دينه له بان الله حكيم عادل رحيم ...)
ما هو الاستبداد
و يقول الكواكبي في فصل ما هو الاستبداد معرفا ( لغة هو غرور المرء برأيه و الأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي و الحقوق المشتركة . و في اصطلاح السياسيين هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة و بلا خوف تبعة , وقد قد تطرأ مزيدات على هذا المعنى الاصطلاحي فيستعملون في مقام كلمة ( استبداد ) كلمات : استعباد, و تسلط , وتحكم . و في مقابلتها كلمات : مساواة , و حس مشترك , وسلطة عامة . و يستعملون في مقام صفة ( مستبد ) كلمات جبار طاغية , و حاكم بأمره , وحاكم مطلق . و في مقابلة ( حكومة مستبدة ) كلمات : عادلة , و مسؤولة , و مقيدة , و دستورية . و يستعملون في مقام وصف الرعية ( المستبد عليهم ) كلمات : أسرى , و مستصغرين , و بؤساء . و مستنبتين . و في مقابلتها : أحرار , و أباة . و أحياء , و أعزاء .
و أما تعريف الاستبداد بالوصف لا بالمترادفات و المتقابلات فهو أن الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلا أو حكما التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين .
..... و أشد انواع الاستبداد التي يتعوذ بها من الشيطان هي حكومة الفرد المطلق , الوارث للعرش , القائد للجيش , الحائز على سلطة دينية. و لنا أن نقول كلما قلت وصف من هذه الأوصاف خف الاستبداد إلى أن ينتهي بالحكم المنتخب المؤقت المسؤول فعلا .
و أورد الكواكبي شذرات مما : ( .. تكلم به بعض الحكماء لا سيما المتاخرون منهم في وصف الاستبداد و من هذه الجمل : / المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم و يحكم بهواه لا بشريعتهم , و يعلم من نفسه انه الغاصب المعتدي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق و التداعي لمطالبته /
// المستبد عدو الحق , عدو الحرية و قاتلها , و الحق أبو البشر و الحرية أمهم , و العوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئا , والعلماء هم اخوتهم الراشدون , أن أيقظوهم هبوا و إن دعوهم لبوا و إلا فيتصل نومهم بالموت//

بعد المقدمة و فصل ما هو الاستبداد يدأب الكواكبي في كتابه على عرض العلاقة بين الاستبداد و كل من الدين , العلم , المجد , المال , الأخلاق , التربية و الترقي لينهي كتابه القيم بباب الاستبداد و التخلص منه ونجده يسهب و يشدد تركيزه على أبواب الاستبداد و الدين و الاستبداد و الأخلاق و مجهوده القيم في المبحثين على درجة فائقة من الإدراك العميق و الجرأة النادرة ( حتى بين معاصرينا ) و روح من الألم المتشرب في روحه العاشقة للحرية ليس عاطفيا و إنما عقليا قبل كل شيء و من الغيرة على مستقبل الأمة التي لا يجد لها مكانا تحت الشمس إلا بزوال الاستبداد السياسي وتفرعاته :

الاستبداد و الدين

في مبحث الاستبداد و الدين يشرح العلاقة النفعية المتبادلة غير الشريفة بين الاسنبداد الديني و الاستبداد السياسي مشيرا إلى : { تضافر أراء العلماء الناظرين في التاريخ الطبيعي للأديان على أن الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني , و البعض يقول إن لم يكن هناك توليد فهما أخوان أبوهما التغلب و أمهما الرياسة , أو هما صنوان قويان بينهما رابطة الحاجة إلى التعاون لتذليل الإنسان , و الفريقان مصيبان في حكمهما بالنظر إلى مغزى أساطير الأولين و القسم التاريخي من التوراة و الرسائل المضافة إلى الإنجيل , و مخطئون في حق الأقسام التعليمية الأخلاقية فيهما , كما هم مخطئون إذا نظروا إلى أن القرآن جاء مؤيدا للاستبداد السياسي , و ليس من العذر شيء أن يقولوا نحن لا ندرك دقائق القرآن نظرا لخفائها علينا في طي بلاغته ووراء العلم بأسباب نزول آياته , و إنما نبني نتيجتنا على مقدمات ما نشاهد عليه المسلمين منذ قرون إلى الآن من استعانة مستبديهم بالدين .
يقول هؤلاء المحررون إن التعاليم الدينية و منها الكتب السماوية تدعوا البشر إلي خشية قوة عظيمة هائلة لا تدرك العقول كنهها قوة تتهدد الإنسان بكل مصيبة - في الحياة فقط - عند البوذية و اليهودية , أو في الحياة و بعد الممات كما عند النصارى و الإسلام , تهديدا ترتعد منه الفرائص فتخور القوى و تذهل العقول فتستسلم للخبل و الخمول , ثم تفتح هذه التعاليم أبوابا للنجاة وراءها نعيم مقيم , و لكن على تلك الأبواب حجاب من البراهمة و الكهنة و القسوس و أمثالهم الذين لا يأذنون للناس بالدخول ما لم يعظموهم مع التذليل و الصغار و يرزقوهم باسم نذر أو قربان أو ثمن غفران . .. و هؤلاء المهيمنون على الأديان كم يرهبون الناس من غضب الله و ينذرونهم بحلول مصائبه و عذابه عليهم ثم يرشدونهم إلي ...
و يقولون إن السياسيين يبنون كذلك استبدادهم على أساس من هذا القبيل , فهم يسترهبون الناس بالتعالي الشخصي و التشامخ الحسي , و يذلونهم بالقهر و القوة و سلب الأموال حتى يجعلوهم خاضعين لهم عاملين لأجلهم يتمتعون بهم كأنهم نوع من الأنعام التي يشربون ألبانها و يأكلون لحومها و يركبون ظهورها و بها يتفاخرون ( كخطاب : إلى شعبنا العظيم ,,,)
و يرون أن هذا التشاكل في بناء و نتائج الاستبداديين الديني و السياسي جعلهما في مثل فرنسا مشتركين في العمل كأنهما يدان متعاونتان , و في روسيا مشتبكين في الوظيفة كاللوح و القلم يسجلان الشقاء على الأمم (طبعا يتكلم عن العصر الذي عايشه – نهاية القرن التاسع عشر ) .
و يقررون أن هذا التشاكل بين القوتين ينجر بعوام البشر و هم السواد الأعظم إلى نقطة يلتبس عليهم الفرق بين الإله المعبود بحق و بين المستبد المطاع بالقهر , فيختلطان في مضائق أذهانهم من حيث التشابه في استحقاق مزيد التعظيم , و الرفعة عن السؤال و عدم المواخذة على الأفعال بناء عليه لا يرون لأنفسهم حقا في مراقبة المستبد لانتفاء النسبة بين عظمته و دناءتهم , وبعبارة أخرى يجد العوام معبودهم و جبارهم مشتركين في كثير من من الحالات و الأسماء والصفات فلا يفرقوا بين ( المنعم ) و ولي النعمة , وبين ( جل شأنه ) و جليل الشأن , بناء عليه يعظمون الجبابرة تعظيمهم لله , و يزيدون تعظيمهم على التعظيم لله لأنه حليم كريم و لأن عذابه آجل غائب , و أما انتقام الجبار فعاجل حاضر .
و يعللون أن قيام المستبدين من أمثال ( أبناء داود ) و ( قسطنطين ) في نشر الدين بين رعاياهم , و انتصار مثل ( فيليب الثاني ) الإسباني و ( هنري الثامن ) الانكليزي للدين حتى بتشكيل محاكم التفتيش , و قيام الحاكم الفاطمي و السلاطين الأعاجم في الإسلام بالانتصار لغلاة الصوفية و بنائهم لهم التكايا ( كما شاهدنا من خلال رائعة يوسف شاهين – المصير) لم يكن إلا بقصد الاستعانة بمسوخ الدين و ببعض أهله المغفلين على ظلم المساكين .
و يحكمون بأن بين الاستبدادين السياسي و الديني مقارنة لا تنفك متى وجد أحدهما في أمة جر الآخر إليه أو متى زال زال رفيقه , و إن صلح ضعف أحدهما صلح ضعف الثاني , و يبرهنون على أن الدين أقوى تأثيرا من السياسة إن إصلاحا أو إفسادا , و يمثلون بالسكسون أي الإنكليز و الهولنديين و الأمريكان و الألمان الذين قبلوا البروتستنتية , فأثر التحرير الديني في الإصلاح السياسي و الأخلاق أكثر من تأثير الحرية المطلقة السياسية في جمهور اللتين أي الفرنسيين و الطليان و الأسبان و البرتغال. و قد أجمع الكتاب السياسيون المدققون , بالإستاد على التاريخ و الاستقراء , من أن ما من أمة أو عائلة أو شخص تنطع في الدين أي تشدد إلا و اختل نظام دنياه و خسر أولاه و عقباه .
و الحاصل أن كل المدققين السياسيين يرون أن السياسة و الدين يمشيان متكاتفين , و يعتبرون أن إصلاح الدين هو أسهل و أقوى و أقرب طريق للإصلاح السياسي .
و ربما كان أول من سلك هذا المسلك أي أستخدم الدين في الإصلاح السياسي هم حكماء اليونان , حيث تحيلوا على ملوكهم المستبدين في حملهم على قبول الأشتراك في السياسة بإحياء عقيدة الاشتراك في الألوهية , أخذوها عن الآشوريين و مزجوها بأساطير بصورة تخصيص العدالة بإله و الحرب بإله و الأمطار بإله إلى غير ذلك من التوزيع و جعلوا لإله الآلهة حق النظارة عليهم , و حق الترجيح عند وقوع الاختلاف بينهم . ثم بعد تمكن هذه العقيدة في الأذهان لما ألبست من جلال المظاهر و سحر البيان سهل على أولئك الحكماء دفعهم الناس مطالبة حكامهم الجبابرة بالنزول إلي مقام الانفراد , و بأن تكون إرادة الأرض كإرادة السماء فأنصاع ملوكهم مكرهين . و هذه هي الوسيلة العظمى التي مكنت اليونان من إقامة جمهوريات أثينا و إسبارطة .و كذلك فعل الرومان , و هذا الأصل لم يزل المثال القديم لأصول توزيع الإدارات في الحكومات الملكية و الجمهوريات على أنواعها إلى هذا العهد .
ثم يذكر كيف أن { عقيدة التشريك عدا كونها باطلة في ذاتها ... فإنها انتشرت و عمت و جندت جيشا عرمرما يخدم المستبدين كنمرود إبراهيم و فرعون موسى و البرهمي و البادري و الصوفي .. و قد جاءت التوراة لترفع عقيدة التشريك مستبدلة مثلا أسماء الآلهة المتعددة بالملائكة و لكن لم يرض ملوك ال كوهين بالتوحيد فأفسدوه بالاستبداد ثم جاء الإنجيل بسلسبيل الدعة و الحلم فصادف أفئدة محروقة بنار القساوة و الاستبداد و كان أيضا مؤيدا لناموس التوحيد و لكن لم يقوى دعاته الأولون على تفهيم تلك الأقوام المنحطة( المنهكة من الاستبداد ) , الذين بادروا لقبول النصرانية قبل الأمم المترقية . . ثم لما انتشرت النصرانية و دخلها أقوام مختلفون , تلبست ثوبا غير ثوبها , كما هو شأن الأديان التي سبقتها فامتزجت بأزياء و شعائر الإسرائيليين و أشياء من الأساطير و غيرها و أشياء من مظاهر الملوك و نحوها , و هكذا صارت تعظم رجال الكهنوت إلى درجة اعتقاد النيابة عن الله و العصمة عن الخطأ و قوة التشريع, مما رفضه البروتستانت أي الراجعون في الأحكام لأصل الإنجيل ..
ثم جاء الإسلام مهذبا لليهودية و النصرانية مؤسسا على الحكمة و العزم هادما للشرك , و محكما لقواعد الحرية السياسية المتوسطة بين الأرستقراطية و الديموقراطية فأسس التوحيد و نزع كل سلطة دينية أو تغليبية تتحكم بالنفوس , و أوجد مدينة فطرية سامية} .
ثم نرى الكواكبي مترحما على ذاك { الطراز السامي من الرياسة و هو الطراز النبوي المحمدي لم يخلفه فيه حقا غير آبي بكر ثم عمر ثم اخذ بالتناقص , وصارت الأمة تطلبه و تبكيه من عهد عثمان إلي الآن , و سيدوم بكائها إلى يوم الدين إذا لم تنتبه بتعويضه بطراز سياسي شوري , ذلك الطراز الذي اهتدت إليه بعض أمم الغرب التي لربما يصح أن نقول , إنها قد استفادت من الإسلام أكثر مما استفاد منه المسلمون .

و هذا القرآن الكريم مشحون بتعاليم إماتة الاستبداد و إحياء العدل و التساوي حتى في القصص منه ,و من جملتها قول بلقيس ملكة سبأ من عرب تبَع تخاطب أشراف قومه : (يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون * قالوا نحن أولو قوة و أولو بأس شديد , و الأمر إليك فأنظري ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا أهلها أذلة و كذلك يفعلون ) .
فهذه القصة تعلم كيف ينبغي:
أن يستشير الملوك الملأ أي أشراف الرعية , و أن لا يقطعوا أمرا إلا برأيهم
و تشير إلى لزوم أن تحفظ القوة و البأس في يد الرعية ,
و أن يخص الملوك بالتنفيذ فقط , و أن يكرموا بنسبة الأمر إليهم تكريما ,
و تقبح شأن الملوك المستبدين .
و من هذا الباب ما ورد في قصة موسى عليه السلام مع فرعون في قوله تعالى : ( و قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون ) أي قال الأشراف بعضهم لبعض : ماذا رأيكم ؟ ( قالوا ) خطابا لفرعون و هو قرارهم : (أرجه و أخاه و أرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم ) ثم وصف مذكراتهم بقوله تعالى : ( فتنازعوا أمرهم ) أي رأيهم ( بينهم و أسروا النجوى ) أي أفضت مذكراتهم العلنية إلى النزاع فأجروا مذاكرة سرية طبق ما يجري الآن في المجالس العمومية} .
ثم ينكب الكواكبي على إدراج أمثلة في تأيد وتأكيد معاني المشاركة و المشاورة و يتهم علماء الاستبداد بتحريف الكلم عن موضعه ثم يستنتج عدم وجوب طاعة الظالمين و إن قال بوجوبها بعض الفقهاء الممالئين دفعا للفتنة التي تحصد أمثالهم حصدا .
ويستغرب الكواكبي: { جعل للفظة العدل معنى عرفي و هو الحكم بمقتضى ما قاله الفقهاء حتى أصبحت لا تدل على غير هذا المعنى , مع إن العدل لغة تعني التسوية .
و قد عدد الفقهاء من لا تقبل شهادتهم لسقوط عدالتهم فذكروا حتى من يأكل ماشيا في الأسواق , ولكن شيطان الاستبداد أنساهم أن يفسقوا الأمراء الظالمين فيردوا شهادتهم , و ما عذرهم في تحويل معنى الآية : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ) إلى أن هذا الفرض هو فرض كفاية لا فرض عين ؟؟ و المراد هنا سيطرة أفراد المسلمين بعضهم على بعض , لا إقامة فئة تسيطر على حكامهم كما اهتدت إلى ذلك الأمم الموفقة للخير , فخصصت منها جماعات باسم مجالس نواب , فتخلصوا من شآمة الاستبداد. أليست هذه السيطرة و هذا الاحتساب بأهم من السيطرة و الاحتساب على الأفراد ؟ و من يدري من أين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكام عن المسؤولية حتى أوجبوا لهم الحمد إذا عدلوا , و أوجبوا الصبر عليهم إذا ظلموا , و عدوا كل معارضة لهم بغيا يبيح دماء المعارضين ؟؟؟
الهم إن المستبدين و شركائهم قد جعلوا دينك غير الدين الذي أنزلت فلا حول ولا قوة إلا بك .
نعم , لولا حلم الله لخسف الأرض بالعرب , حيث أرسل لهم رسولا من أنفسهم أسس لهم أفضل حكومة أسست في الناس , جعل قاعدتها قوله {كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته } أي كل منكم سلطان عام و مسؤول عن الأمة . و هذه الجملة هي أسمى و أبلغ ما قاله مشرع سياسي من الأولين و الآخرين , فجاء من المنافقين من حرف المعنى عن ظاهره و عموميته إلى أن المسلم راعٍ على عائلته و مسؤول عن عائلته فقط . كما حرفوا معنى الآية : {المؤمنون بعضهم أولياء بعض } إلى ولاية الشهادة دون الولاية العامة . و هكذا غيروا مفهوم اللغة , و بدلوا الدين , و طمسوا العقول حتى جعلوا الناس ينسون لذة الاستقلال , و عزة الحرية , بل جعلوهم لا يعقلون كيف تحكم أمة نفسها بنفسها دون سلطان قاهر .
وكأن المسلمين لم يسمعوا بقول الرسول عليه السلام : (( الناس سواسية كأسنان المشط ,
لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى )). و هذا الحديث من أصح الأحاديث لمطابقته للحكمة و مجيئه مفسرا الآية { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فإن الله عز وجل شأنه ساوى بين عباده مؤمنين و كافرين في المكرمة بقوله { وكرمنا بني آدم } ثم جعل الأفضلية في الكرامة للمتقين فقط . و معنى التقوى لغة ليس كثرة العبادة كما صار ذلك حقيقة عرفية غرسها علماء الاستبداد القائلين في تفسير ( عند الله ) أي في الآخرة دون الدنيا بل التقوى لغة هي الاتقاء أي الابتعاد عن رذائل الأعمال احترازاً من عقوبة الله . فقوله إن أكرمكم عند الله أتقاكم كقوله إن أفضل الناس أكثرهم ابتعادا عن الآثام و سوء عواقبها }.
و يسهب الكواكبي في شرح و تفصيل: { ان الإسلامية مؤسسة على أصول الحرية برفعها كل سيطرة و تحكم , بأمرها بالعدل و المساواة و القسط والإخاء .. وقد جعلت أصول حكومتها الشورى "الأرستقراطية " أي شورى أهل الحل و العقد في الأمة بعقولهم لا بسيوفهم . ..و من المعلوم أنه لا يوجد في الإسلامية نفوذ ديني مطلقا في غير مسائل إقامة الشعائر ومنها القواعد العامة التشريعية التي لا تبلغ مائة قاعدة و حكم } .. إلى أن يتأسف على هذا الدين: { الحر , الحكيم , السهل , المسح , الذي رفع الإصر و الأغلال , و أباد الميزة و الاستبداد , الدين الذي فقد الأنصار الأبرار و الحكماء الأخيار فسطا عليه المستبدون و المرشحون للاستبداد , و اتخذوه وسيلة لتفريق الكلمة و تقسيم الأمة , و جعلوه آلة لأهوائهم السياسية فضيعوا مزاياه و حيروا أهله بالتفريغ و التوسيع , و التشديد و التشويش , و إدخال ما ليس فبه ...
و بهذا التشديد الذي أدخله على الدين منافسو المجوس ,انفتح على الآمة باب التلوم على النفس , و اعتقاد التقصير المطلق } .
المقتطف
04-08-2005, 12:30 AM
الاستبداد و العلم

احتكار المعلومة وتصنيعها, و تجهيل المجتمع , الكره نحو المتعلمين المتنورين ذو الكرامة لأن سلطان العلم قد يفوق سلطانهم , تهميش الشعب ( العوام ) و اعتبارهم رعاع غوغائيين غير ناضجين و تشبيههم بالقطيع المحتاج للقيادة و الحماية - { و المستبد في حين انه لا يخاف علوم اللغة خاصة إذا لم يكن ما وراء اللسان حكمة حماس تعقد الألوية , أو سحر بيان يحل عقد الجيوش , و لا العلوم الدينية المختصة ما بين الإنسان و ربه , لاعتقاده أنها لا ترفع غباوة و لا تزيل غشاوة , و إنما يتلهى بها المتهوسون ...
ترتعد فرائص المستبدين علوم الحياة مثل الحكمة النظرية , الفلسفة العقلية , و حقوق الأمم و طبائع الاجتماع , و السياسة المدنية وخوف المستبد من أصحاب هذه العلوم و هم المعبر عنهم في القرآن الكريم بالصالحين و المصلحين ( آن الأرض يرثها عبادي الصالحين ) و قوله (وما كنا لنهلك القرى و أهلها مصلحون ) , و إن كان علماء الاستبداد يفسرون مادة الصلاح و الإصلاح بكثرة التعبد !!كما حولوا كلمة الفساد و الإفساد : من تخريب نظام الله إلى التشويش على المستبدين. / بلغة اليوم يخاف المستبد المفكرين , دعوات حقوق الانسان ,المجتمع المدني , الدعوات الى الاصلاح و انتقاد الفساد ./
كما يبغض المستبد العلم لنتائجه يبغضه أيضا لذاته لأن للعلم سلطانا أقوى من كل سلطان , فلا بد للمستبد من أن يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على من هو أرقى منه علما . و على هذه القاعدة بنى ابن خلدون قوله ( فاز المتملقون ).
ويستنتج ان بين العلم و الاستبداد حربا دائمة , يسعى العلماء في تنوير العقول و يجتهد المستبد في إطفاء نورها , و الطرفان يتجاذبان العوام . العوام الذين إذا جهلوا خافوا , و إذا خافوا استسلموا , ومتى علموا قالوا ومتى قالوا فعلوا .
و العوام هم قوّة المستبد وقوته . بهم عليهم يصول و يجول , فيتهللون لشوكته ,و يغصب أموالهم , فيحمدونه على إبقائه على حياتهم , و يهينهم فيثنون على رفعته , ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته ( حنكته ) و إذا أسرف في أموالهم , يقولون كريم , و إذا قتل منهم و لم يمثل يقولون رحيم ...
و الحاصل أن العوام يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل ..
إن خوف المستبد من نقمة رعيته أكبر من نقمة خوفهم بأسه .
قال أحد المحررين السياسيين : إني أرى قصر المستبد في كل زمان هو هيكل الخوف عينه : فالملك الجبار هو المعبود ’ و أعوانه هم الكهنة , و مكتبته هي المذبح المقدس ,و الأقلام هي السكاكين , و عبارات التعظيم هي الصلوات و الناس هم الأسرى الذين يقدمون قرابين الخوف .
إن خير ما يستدل به على درجة استبداد الحكومات هو تغاليها في شأن الملوك و فخامة القصور , و عظمة الحفلات و مراسيم التشريفات , و علائم الآبهة , وغير ذلك من التمويهات يلجأ إليها المستبد عوضا عن العلم و العقل , كما يلجأ قليل العز للتكبر , و قليل العلم للتصوف .
و الخلاصة أن الاستبداد و العلم ضدان متغالبان فكل إدارة مستبدة تسعى جهدها لإطفاء نور العلم , و حصر الرعية في حالك الجهل . و العلماء الحكماء الذين ينبتون في مضايق صخور الاستبداد يسعون جهدهم في تنوير أفكار الناس , و الغالب أن رجال الاستبداد يطاردون رجال العلم و ينكلون بهم , فالسعيد منهم من يتمكن من مهاجرة دياره , و هذا سبب أن كل الأنبياء العظام عليهم الصلاة و السلام و أكثر العلماء الأعلام و الأدباء النبلاء تقلبوا في البلاد و ماتوا غرباء .
المستبدون يخافون من العلم حتى من علم الناس معنى{ لا إله إلا الله } التي بنى عليه الأسلام بل كافة الأديان , و معنا ذلك أنه لا يعبد حقا سوى الصانع الأعظم , و معنى العبادة الخضوع - و منها لفظة العبد – فيكون معنى لا إله إلا الله : ( لا يستحق الخضوع شيء إلا الله ) .

الاستبداد و المجد

و في حين يبدأ مبحثه الاستبداد و المجد بأحد الحكم البالغة للمتأخرين- حسب تعبيره - الاستبداد اصل لكل فساد – و يشرح إن التمجّد خاص بالإدارات الاستبدادية ليصل إلى أن : . { و إن المجد لا ينال إلا بنوع من البذل في سبيل الجماعة و بتعبير الشرقيين في سبيل الله أو في سبيل الدين , و بتعبير الغربيين في سبيل المدنية أو سبيل الإنسانية . و المولى تعالى المستحق التعظيم لذاته ما طالب عبيده بتمجيده إلا و قرن الطلب بذكر نعماته عليهم .
و الخلاصة أن المستبد يتخذ الممجدين سماسرة لتغرير الأمة باسم خدمة الدين أوحب الوطن أو تحصيل منافع عامة أو الدفاع عن الاستقلال . و الحقيقة في بطلان كل هذه الدواعي الفخيمة التي ما هي إلا تخيل و إيهام يقصد بها رجال الحكومة تهييج الأمة و تضليلها حتى إنه لا يستثنى منها الدفاع عن الاستقلال , لأنه ما الفرق على أمة مأسورة لزيد أن يأسرها عمر ؟ و ما مثلها إلا الدابة التي لا يرحمها راكب مطمئن , مالكا كان أو غاصبا .
المستبد يجرب أحيانا في المناصب و المراتب بعض العقلاء الأزكياء أيضا , اغترارا منه بأنه يقوى على تلين طينهم و تشكيلهم بالشكل الذي يريد فيكونوا له أعوانا خبثاء ينفعونه بدهائهم , ثم هو بعد التجربة إذا خاب و يئس من إفسادهم يتبادر بإبعادهم أو ينكل بهم . و لهذا لا يستقر عند المستبد إلا الجاهل العاجز الذي يعبده دون الله أو الخبيث الخائن الذي يرضيه و يغضب الله .}
وينبه الكواكبي إلى أن هذه الفئة من العقلاء الأمناء و- بالجملة – ممن ينشطون لخدمة الأمة فيضرب على أيديهم لمجرد ظهور بارقة إنسانية في أعينهم , فتنادي بالإصلاح فيعيي المستبد هذا الانقلاب لأنهم لا يستغنون عن تجاربهم و خبراتهم و لا يأمنون هذه المغبة . { ومن هنا نشأ اعتمادهم في التجربة غالبا على العريقين في خدمة الاستبداد الوارثين من آبائهم و أجدادهم الأخلاق المرضية للمستبدين. و النتيجة وزير المستبد هو وزير المستبد لا وزير الأمة .}

الاستبداد و المال

في مبحث الاستبداد و المال يقول بادئ ذي بدء : { لو كان الاستبداد رجلا و أراد أن يحتسب و ينتسب لقال ( أنا الشر و آبي الظلم و أمي الإساءة , و أخي الغدر و أختي المسكنة , وعمي الضر و خالي الذل , و ابني الفقر وبنتي البطالة , عشيرتي الجهالة ووطني الخراب , أما ديني و شرفي وحياتي فالمال المال المال! !!) إلى أن تتجلى عبقريته فيقول انه ( ومن طبائع الاستبداد أنه لا يظهر فيه فقر الأمة ظهورا بينا إلا فجأة قريب قضاء الاستبداد نحبه .) و لم يفته : ( إن حفظ المال في عهد المستبد اصعب من كسبه و انه من طبائع الاستبداد ان الأغنياء أعداؤه فكرا و أوتاده عملا فهم ربائط المستبد يذلهم فيئنون و يستدرهم فيحنون )

الاستبداد و الأخلاق



/ تعجبت طويلا عنما بدا لي الارتباط الوثيق بين الاستبداد و الفساد حسب القرآن الكريم فبالرغم من أتني لست ملما بعلومه ولا غائرا في بحر فقهه لفت انتباهي عند استخراجي لمفردة الفساد من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ورودها – مع مشتقاتها-51مرة مشروطة بمخالفة سنة دفع الناس بعضهم بعض { و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت السموات و الأرض } البقرة251 وهي الآية التي تدعو الى الأطلاق و التحرير و ترفض التقييد و التأطير المسبقين للسلوك البشري حسب رؤية بشرية صرفة أو حتى فهم بشري محصور لنص سماوي . مقرونة مع - اتباع الهوى و عبادة غير الله(أي عبادة الفرد أو المستبد حسب الكواكبي ) و العلو و الظلم وبث الخوف و الطمع و الطغيان و سفك الدماء و قطع ما أمر الله به أن يوصل و إهلاك الحرث و النسل و تبديل الدين وعصيان الله و تبخيس أشياء الناس فعث في الأرض و ذبح أبناء الرعية و استحياء نسائهم و إدعاء الإصلاح و الإفساد بعد الإصلاح و كلها من صفات الاستبداد و المستبدين الفاسدين و المفسدين – لا فرق - إلى أن نصل إلى مساواة الساعين في الأرض فسادا بمحاربين الله و رسوله وتثبيت وجزائهم الا وهو القتل { إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا } و التبرؤ من قول المستبدين الذين يرمون تبعات الفساد و إصلاحه على مشيئة الله - إن الله لا يصلح عمل المفسدين يونس 81 فتهديده عز وعلى- فأنظر كيف كانت عاقبة المفسدين الأعراف 83 ... لقد كنت اجزم/ كما غالبية جيلي – دون أن أجزم – / ان الفساد مرده تغلب خصال الشر أو السوء عند بعض من البشر بغض النظر عن البنية السياسية و الاجتماعية إلى أن قرأت في مقدمة أبن خلدون ما يشير بعلاقة مشروطة : و إذا كان الملك قاهرا ,فاحشا بالعقوبات, منقبا عن عورات الناس , شملهم الخوف و الذل , ولاذوا منه بالكذب والمكر و الخديعة فتخلقوا بها, و فسدت بصائرهم و اخلاقهم , و ان دام أمره عليهم و قهره فسدت "العصبية" و هذا المصطلح عند ابن خلدون يساوي الدولة في مفهومنا العصري أي ان الفساد ظاهرة عالمية بقدر ما الاستبداد هو ظاهرة عالمية و هما مترابطين متلازمين - اذا قصدنا الفساد الشامل و ليس حالات الفساد المتفرقة استبداد و ظلم شاملين = فساد شامل/ .. و هذا ما يقوله الكواكبي/:
الاستبداد يتصرف في أكثر الأميال الطبيعية و الأخلاق الحسنة , فيضعفها أو يفسدها أو يمحوها فبجعل الإنسان يكفر بنعم مولاه , لأنه لم يملكها حق التملك ليحمده عليها حق الحمد , ويجعله حاقدا على قومه لانهم عون لبلاء الاستبداد عليه, و فاقدا حب وطنه , لانه غير آمن الاستقرار فيه و يود لو انتقل منه , ... أسير الاستبداد لا يملك شيئا ليحرص على حفظه ,لانه لا يملك مالا غير معرض للسلب و لا شرفا غير معرض للإهانة . ضعيف الحب لعائلته , لأنه ليس مطمئنا على دوام علاقته معها , و مختل الثقة في صداقة أحبابه , لأنه يعلم منهم أنهم مثله لا يملكون التكافؤ , و قد يضطرون لإضرار صديقهم بل و قتله و هم باكون .
و هذه الحالة تجعل الأسير لا يزوق في الكون لذة نعيم غير بعض الملذات البهيمية . بناء عليه يكون شديد الحرص على حياته الحيوانية و إن كانت تعيسة , و كيف لا يحرص عليها و هو لا يعرف غيرها . أين هو من الحياة الأدبية ؟ أين هو من الحياة الاجتماعية ؟ أما الأحرار فتكون منزلة حياتهم الحيوانية عندهم بعد مراتب عديدة , و لا يعرف ذلك إلا من كان منهم أو كشف الله عن بصيرته .
الاستبداد يسلب الراحة الفكرية فيضني الأجسام فوق ضناها بالشقاء فتمرض العقول و يختل الشعور على درجات متفاوتة في الناس . و العوام قد يصل مرضهم العقلي إلى درجة قريبة من عدم التمييز بين الخير و الشر , في كل ما ليس من ضروريات حياتهم الحيوانية . و يصل تسفل إدراكهم إلى أن مجرد أثار الأبهة و العظمة التي يرونها على المستبد و أعوانه تبهر أبصارهم , فيرون و يفكرون بأن الدواء في الداء, فينصاعون بين يدي الاستبداد انصياع الغنم بين أيدي الذئاب حيث هي تجري على قدميها إلى مقر حتفها .
ربما يستريب المطلع اللبيب الذي لم يتعب فكره في درس طبيعة الاستبداد, من إن الاستبداد المشؤوم يقوم على قلب الحقائق , يرى انه كم مكن بعض القياصرة و الملوك الأولين من التلاعب بالأديان تأيدا لاستبدادهم فأتبعهم الناس .
و يرى أن الناس وضعوا الحكومات لأجل خدمتهم , و الاستيداد قلب الموضوع , فجعل الرعية خادمة للرعاة فقبلوا و قنعوا ... و يرى أنه قد قبل الناس من الاستبداد ما ساقهم اليه من اعتقاد أن طالب الحق فاجر , وتارك حقه مطيع , و المشتكي المتظلم مفسد , و النبيه المدقق ملحد , و الخامل المسكين صالح امين . وقد اتبع الناس الاستبداد في تسمية النصح فضولا , و الغيرة عداوة و الشهامة عتوا , و الحمية حماقة , و الرحمة مرضا , كما جاروه على اعتبار أن النفاق سياسة , و التحيل كياسة , والدناءة لطف , و النذالة دماثة ( نفس المقارنات و التشبيهات تقريبا التي طرحها فوكوياما في مقاله نهاية التاريخ و الرجل الاخير ولكن قبله بمئة عام بالتمام والكمال ) . و هنا يتفوق الكواكبي على المفكر و الأديب التشيكي و رئيس البلاد بعد انعتاقها من النظام الشمولي فنسيسلاف هافيل , و الذي لوحق و سجن مرات لانتقاده و فضحه مساوئ الاستبداد و تبعاته من الفساد . و المفكر و الكاتب البلغاري جيليو جيليف المعارض سابقا للنظام الشمولي و صاحب مؤلف ( الفاشية) الذي خطه بطلب من الحزب الحاكم و سلط الضوء من خلاله و شرح مستفيضا و قيم علائق و طرق إدارة الحزب النازي في ألمانيا النازية لكل من الإعلام , الجيش العقائدي , الشباب , الثقافة , التربية و التعليم , الفنون و الأدب , الإدارات الحكومية وقد سماها سياسة اجتياح الوزارات و المؤسسات , الاقتصاد( و تدميره /تدهور المارك 30000مرة اثناء الحكم الهتلري) , و قد تم وقف توزيع الكتاب وجمعه بعد أن فهم انه أي المؤلف وكأنه يشرح الوضع القائم في بلده الشمولي بذاته و زج به لسنوات طوال في سجون بلاده ليخرج ويترأس بلاده بعد عودة التعددية السياسية و الانتخابات البرلمانية و الرئاسية .
المقتطف
04-08-2005, 12:32 AM
يضيف صاحبنا موضحا : { و قد يظن بعض الناس أن للاستبداد حسنات مفقودة في الإدارة الحرة , فيقولون مثلا : الاستبداد يلين الطباع و يلطفها , و الحق أن ذلك يحصل فيه عن فقد الشهامة لا عن فقد الشراسة ...و يقولون هو يربي النفوس على الاعتدال و الوقوف عند الحدود , و الحق أن ليس هناك غير الانكماش و التقهقر , و يقولون الاستبداد يقلل الفسق و الفجور , و الحق أنه عن فقر و عجز لا عن عفة و دين ’ و يقولون يقلل التعديات و الجرائم , والحق أنه يمنع ظهورها و يخفيها فيقل تعديدها لا عدادها .
الأخلاق أثمار بذرها الوراثة , و تربتها التربية ,و سقياها العلم ,و القائمون عليها هم رجال الحكومة , عليه تفعل السياسة في اخلاق البشر ما تفعله العناية في انماء البشر. إذا بليت ببستاني جدير بان يسمى حطابا لا يعنيه إلا عاجل الاكتساب أفسدها و خربها .
أقل ما يؤثره الاستبداد في أخلاق الناس , أنه يرغم حتى الأخيار منهم على الفة الرياء و النفاق و لبئس السيئان , و انه يعين الاشرار على اجراء غي نفوسهم آمنين من كل تبعة ولو أدبية , فلا اعتراض و لا انتقاد و لا افتضاح , لان اكثر اعمال الأشرار تبقى مستورة يلقي عليها الاستبداد رداء خوف الناس من تبعة شهادة على ذي شر و عقبى ذكر الفاجر بما فيه . و لهاذا شاعت بين الاسراء قواعد كثيرة باطلة كقولهم : اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب . و قد تعالى وعا ظهم في سد أفواههم حتى جعلوا لهم أمثال هذه الأقوال من الحكم النبوية , كما هجوا لهم الهجو و الغيبة بلا قيد , فهم يقرؤون L( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ) ويغفلون بقية الأية وهيl (الا من ظلم ).
أقوى ضابط للأخلاق النهي عن المنكر بالنصيحة و التوبيخ , أي بحرص الافراد على حراسة نظام الاجتماع و هذه الوظيفة غير مقدور عليها في عهد الاستبداد لغير ذوي المنعة الغيورين و قليل ما هم , وقليلا ما يفعلون , و قليلا ما يفيد نهيهم . و الموظفون في عهد الاستبداد للوعظ و الإرشاد يكونون مطلقا ولا أقول غالبا , من المنافقين الذين نالوا الوظيفة بالتملق .
أما النهي عن المنكرات في الإدارة الحرة , فيمكن لكل غيور على نظام قومه أن يقوم به بأمان و بإخلاص , و أن يوجه سهام قوارصه إلى الضعفاء و الأقوياء و سواء ,فلا يخص بها الفقير المجروح الفؤاد , بل يستهدف أيضا ذوي الشوكة والعناد . و أن يخوض في كل واد حتى في مواضيع تخفيف الظلم و مؤاخذة الحكام , وهذا هو النصح الإنكاري الذي يعدي و يجدي و الذي أطلق عليه النبي عليه السلام اسم ( الدين ) تعظيما لشأنه فقال (( الدين نصيحة )).
ولما كان ضبط أخلاق الطبقات العليا من الناس أهم الأمور , أطلقت الأمم الحرة حرية الخطابة و التأليف و المطبوعات مستثنية القذف فقط , ورأت أن تحمل مضرة الفوضى في ذلك خير من التحديد ( هل من متعظ بعد 100 عام من هذا المقال ) , لأنه لا مانع للحكام أن يجعلوا الشعرة من التقييد سلسلة من حديد , يخنقون بها عدوتهم الطبيعية أي الحرية . وقد حمى القرآن قاعدة الإطلاق بقوله الكريم : ( ولا يضار كاتب و لا شهيد ) .


أما النهي عن المنكرات في الإدارة الحرة , فيمكن لكل غيور على نظام قومه أن يقوم به بأمان و بإخلاص , و أن يوجه سهام قوارصه إلى الضعفاء و الأقوياء و سواء ,فلا يخص بها الفقير المجروح الفؤاد , بل يستهدف أيضا ذوي الشوكة والعناد . و أن يخوض في كل واد حتى في مواضيع تخفيف الظلم و مؤاخذة الحكام , وهذا هو النصح الإنكاري الذي يعدي و يجدي و الذي اطلق عليه النبي عليه السلام اسم ( الدين ) تعظيما لشأنه فقال (( الدين نصيحة )).
ولما كان ضبط أخلاق الطبقات العليا من الناس أهم الأمور , أطلقت الأمم الحرة حرية الخطابة و التأليف و المطبوعات مستثنية القذف فقط , ورأت أن تحمل مضرة الفوضى في ذلك خير من التحديد ( هل من متعظ بعد 110 عام من هذا المقال ) , لأنه لا مانع للحكام أن يجعلوا الشعرة من التقييد سلسلة من حديد , يخنقون بها عدوتهم الطبيعية أي الحرية . وقد حمى القرآن قاعدة الاطلاق بقوله الكريم : ( ولا يضار كاتب و لا شهيد ) .
بعد ذلك يقسم الكواكبي الخصال البشرية إلى ثلاث :
الأول : الخصال الحسنة الطبيعية و الخصال القبيحة الطبيعية – الصدق , الأمانة , الهمة . الذود , الرحمة . يقابلها – الرياء , الاعتداء , الجبن , القسوة .
الثاني : الخصال الكمالية التي جاءت بها الشرائع الإلهامية كتحسين الإثار و العفو و تقبيح الزنا و الطمع و هنا فيه ما لا تدرك العقول حكمته , فيتمثله المنتسبون للدين احتراما أو خوفا .
الثالث : الخصال الاعتيادية , و هو ما يكتسبه الانسان بالوراثة أو بالتربية أو بالألفة , فيستحسن او يستقبح .
أن التدقيق يفيد أن الأقسام الثلاثة تشتبك و تشترك و يؤثر بعضها في بعض , فيصير مجموعها تحت تأثير الألفة المديدة , بحيث كل خصلة منها تترسخ او تتزلزل, حسبما يصادفها من استمرار الالفة او انقطاعها , فالقاتل مثلا لا يستنكر شنيعته في المرة الثانية كما استقبحها من نفسه في الاولى , و هكذا يخف الجرم في وهمه , حتى يصل الى درجة التلذذ بالقتل كأنه حق طبيعي له , كما هي حالة الجبارين و غالب السياسيين الذين لا ترتج في أفئدتهم عاطفة رحمة عند قتلهم أفرادا أو أمما لغايتهم السياسية , إهراقا بالسيف أو إزهاقا بالقلم , ولا فرق بين القتل بقطع الاوداج و بين الإماتة بإيراث الشقاء غير التسريع و الإبطاء .
أسير الاستبداد العريق فيه يرث شر الخصال , و يتربى على أشرها , و لابد أن يصحبه بعضها مدى العمر . يكفيه تلبسه بالرياء اضطرارا حتى يألفه و يصير ملكة فيه , فيعيش سيئ الظن في حق ذاته مترددا في أعماله , لواما نفسه على إهمال شؤونه , شاعرا بفتور همته و نقص مروءته , و يبقى طوال العمر يجهل مورد هذا الخلل , فيتهم الخالق , و الخالق لم ينقصه شيئا . ويتهم دينه و تارة تربيته و تارة زمانه و تارة قومه , و الحقيقة بعيدة عن كل ذلك و ما الحقيقة غير أنه خلق حرا فأسر.

أجمع الاخلاقيون على أن المتلبس بشائبة من أصول القبائح الخلقية لا يمكنه أن يقطع بسلامة غيره منها ( إذا ساءت فعال المرء ساءت ظنونه ) .
اذا علمنا أن من طبيعة الاستبداد ألفة الناس بعض الأخلاق الرديئة , و إن منها ما يضعف الثقة بالنفس , علمنا سبب قلة أهل العمل و أهل العزائم في الأسراء , و علمنا أيضا حكمة فقد الأسراء ثقتهم بعضهم ببعض .فينتج أن الأسراء محرومون طبعا من ثمرة الاشتراك في اعمال الحياة , /موسسات المجتمع المدني الحقيقية المنشودة لاعادة تأهيل المجتمع, اذا كان بحاجة لتاهيل فهل خضع شعب الهند – مليار نسمة المؤلف من 235 عرق و خمسة اديان رئيسية تعد اقلها تعدادا - اكثر من مائتي مليون نسمة و 22 طائفة /
و هنا استوقف المطالع و استلفته إلى التأمل في ثمرات الاشتراك التي يحرمحا الاسراء فأذكره بأن الاشتراك هو اعظم سر في الكائنات , به قيام كل شيء ما عدا الله وحده به قيام الأجرام السماوية , به قيام كل حياة , , به قيام كل المواليد, به قيام الأجناس و الأنواع , به قيام الأمم و القبائل , به قيام العائلات , به تعاون الأعضاء ,به تضاعف القوة , فيه سر استمرار الأعمال التي لا تفي بها أعمار البشر . نعم , الاشتراك هو السر كل السر في نجاح الامم المتمدنة , به اكملوا ناموس حياتهم القومية به ضبطوا نظام حكوماتهم به نالوا كل ما يغبطهم عليه أسراء الاستبداد .
ان سر الاشتراك ليس بخفي , وقد طالما كتب فيه الكتاب حتى ملته الأسماع , و مع ذلك لم يندفع للقيام به في الشرق إلا اليابان و البوير فما السبب ؟ فأجبه بان الكتاب كتبوا و أكثروا و أحسنوا فيما فصلوا و صوروا , و لكن قاتل الله الاستبداد و شؤمه , جعل الكتاب يحصرون أقوالهم في الدعوة إلى الاشتراك و ما معناه من التعاون و الاتحاد و التحابب و الاتفاق , / سبحان الله نفس الدعوات في يومنا هذا مضافا إليها : الوحدة , الاتحاد, التلاحم , التضامن , التآزر , الاصطفاف – وحدة الصف – و الدفاع المشترك , التنسيق المشترك , السوق المشتركة و لم يفلح منها الا التنسيق الأمني – لعله لانه برعاية بيبسي كولا – / جعلهم الاستبداد يكتبوا و يكثروا في كل ذلك / و منعهم من التعرض لذكر أسباب التفرق و الانحلال كليا , أو اضطرهم إلى الاقتصار على بيان الأسباب الأخيرة فقط . فمن قائل مثلا : الشرق مريض و سببه الجهل , و من قائل بلاء وسببه الأمية ,و هذا اعمق ما يخطه قلم الكاتب الشرقي كأنه وصل الى السبب المانع الطبيعي أو الاختياري . والحقيقة أن هناك سلسلة أسباب أخري حلقتها الأولى الاستبداد.

و كاتب آخر يقول : الشرق مريض و سببه فقد التمسك بالدين , ثم يقف , مع انه لو تتبع الأسباب لبلغ إلى الحكم بان التهاون في الدين أولا و أخرا ناشئ من الاستبداد . و آخر يقول أن السبب فساد الأخلاق , و غيره يرى أنه فساد التربية , و سواه ظن أنه الكسل , والحقيقة أن المرجع الأول في الكل هو الاستبداد, الذي يمنع حتى اولئك عن التصريح باسمه المهيب .
قد اتفق الحكماء الذين أكرمهم الله تعالى بوظيفة الأخذ بيد الأمم في بحثهم عن المهلكات و المنجيات . على أن فساد الأخلاق من أصعب الأمور و أحوجها إلى الحكمة البالغة و العزم القوي , و ذكروا أن فساد الأخلاق يعم المستبد و أعوانه وعماله , ثم يدخل بالعدوى إلى كل البيوت , لا سيما بيوت الطبقات العليا التي تتمثل بها السفلى .
وقد سلك الأنبياء عليهم السلام , في إنقاذ الأمم من الفساد مسلك الابتداء أولا بفك العقول من تعظيم غير الله و الإذعان لسواه . و ذلك بتقوية حسن الإيمان المفطور عليه وجدان كل إنسان . ثم جهدوا في تنوير العقول بمبادئ الحكمة , و تعريف الإنسان كيف يملك إرادته , أي حريته في أفكاره . و اختياره في أعماله , و بذلك هدموا حصون الاستبداد و سدوا منبع الفساد .
ثم بعد إطلاق زمام العقول , صاروا ينظرون إلى الإنسان بأنه مكلف بقانون الإنسانية و مطالب بحسن الأخلاق , و هكذا سلك الحكماء السياسيون القدماء باتباعهم نفس السبيل و هذا الترتيب ’ أي بالابتداء من نقطة دينية فطرية تودي إلى تحرر الضمائر , ثم باتباع طريق التربية والتهذيب بدون فتور ولا انقطاع .
أما المتأخرون من قادة العقول في الغرب , فمنهم فئة سلكوا طريقة الخروج بأممهم من حظيرة الدين و آدابه النفسية , إلى فضاء الإطلاق و تربية الطبيعة , زاعمين أن الفطرة في الإنسان أهدى به سبيلا و حاجته إلى النظام تغنيه عن الأديان , التي هي كالمخدرات سموم تعطل الحس بالهموم . وقد ساعدهم على سلوك هذا المسلك , انهم وجدوا أممهم قد تفشا فيها نور العلم , ذلك العلم الذي كان منحصرا في خدمة الدين عند المصريين و الآشوريين , و محتكرا في أبناء الأشراف عند الغرناطيين و الرومان , و مخصصا في أعداد من الشبان المنتخبين عند الهنديين و اليونان , حتى جاء العرب يعد الإسلام و أطلقوا حرية العلم و أباحوا تناوله لكل متعلم , فأنتقل إلى أوروبا حرا رغم رجال الدين , فتنورت .....فنشأ من ذلك حركة قوية في الأفكار . أغتنم زعماء الحرية في الغرب قوة هذه الحركة و أضافوا قوى أدبية شتى , كاستبدالهم ثقالة وقار الدين بزهو عروس الحرية , حتى أنهم لم يبالوا بتمثيل الحرية بحسناء , و كاستبدالهم رابطة الاشتراك في الطاعة للمستبدين برابطة الاشتراك في الشؤون العمومية , ذلك الاشتراك الذي يتولد منه حب الوطن . ثم إن هؤلاء الزعماء استباحوا القساوة أيضا , فأخذوا من مهجورات دينهم قاعدة ( الغاية تبرر الواسطة ) منها صرف المال المسروق في سبيل الخير .. وغيرها مما لا يستبيحها الحكيم الشرقي لما بين الغرب و أبناء الشرق من التباين في الغرائز و الأخلاق .
الغربي : مادي الحياة , قوي النفس , شديد المعاملة ,حريص على الاستئثار , حريص على الانتقام , كأنه لم يبقى عنده شيء من المبادئ العالية و العواطف الشريفة التي نقلتها له مسيحية الشرق . فالجرماني مثلا : جاف الطبع يرى ان العضو الضعيف من البشر يستحق الموت , و يرى كل الفضيلة في القوة , و كل القوة في المال , فهو يحب العلم ولكن لأجل المال , و يحب المجد و لكن لأجل المال ( يا للهول يقول ذلك قبل بزوغ النازية باربعة عقود) و هذا اللاتيني مطبوع على العجب و الطيش , يرى العقل في الإطلاق , و الحياة في خلع الحياء و الشرف في الترف و الكياسة في الكسب , و العز في الغلبة , و اللذة في المائدة و الفراش .
أما أهل الشرق فهم أدبيون , و يغلب عليهم ضعف القلب و سلطان الحب , و الإصغاء للوجدان , و الميل للرحمة و لو في غير موقعها , و للطف ولو مع الخصم . و يرون العز في الفتوة و المروءة , و الغنى في القناعة و الفضيلة , و الراحة في الأنس و السكينة , و اللذة في الكرم و التحبب , و هم يغضبون ولكن للدين فقط , ويغارون ولكن على العرض فقط .
ليس للشرقي أن يسير مع الغربي في طريق واحدة , فلا تطاوعه طباعه على استباحة ما يستحسنه الغربي , و ان تكلف تقليده في أمر فلا يحسن تقليده , و إن أحسنه فلا يثبت , و إن ثبت فلا يعرف استثماره , حتى لو سقطت الثمرة على كفه تمنى لو قفزت إلى فمه ! فالشرقي مثلا يهتم في شأن ظالمه إلى أن يزول عنه ظلمه , ثم لا يفكر فيمن يخلفه و لا يراقبه فيقع في الظلم ثانية , فيعيد الكرة ويعود الظلم الى ما لا نهاية . و كأولئك الباطنة في الإسلام : فتكوا بمئات الأمراء على غير طائل , و كأنهم لم يسمعوا بالحكمة النبوية : (( لا يلدغ المرء من حجر مرتين )) و لا بالحكمة القرآنية (إن الله يحب المتقين ) . أما الغربي إذا أخذ على يد الظالم فلا يتركها حتى يشلها , بل حتى يقطعها و يكوي مقطعها .
و هكذا بين الشرقيين و الغربيين فروق كثيرة , قد يفضَل في الافراديات الشرقي على الغربي , و في الجماعيات يفضل الغربي على الشرقي مطلقا . مثال ذلك :
الغربيون يستحلفون أميرهم على الصداقة في خدمته لهم و التزام القانون .
و السلطان الشرقي يستحلف الرعية على الانقياد و الطاعة !

الغربيون يمنون على ملوكهم بما يرتزقون من فضلاتهم
و الأمراء الشرقيون يتكرمون على من شاؤو بإجراء أموالهم صدقات !

الغربيون قضائهم و قدرهم من الله
الشرقييون قضائهم و قدرهم ما يصدر من بين شفتي المستعبِدين !


الشرقي سريع التصديق الغربي لا ينفي و لا يثبت حتى يرى و يلمس .

الشرقي أكثر ما يغار على الفروج كأن شرفه كله مستودع فيها ,
الغربي أكثر ما يغار على حريته و استقلاله!

الشرقي حريص على الدين و الرياء فيه , و الغربي حريص على القوة و العز و المزيد فيها !


و الخلاصة أن الشرقي ابن الماضي و الخيال , و الغربي ابن المستقبل و الجد !!

أخيرا و بتحليل هادئ و متزن يفصل حكمة المقال في هذا الفصل فيفصل في دروب و رجالات تحرير الأفكار و تهذيب الأخلاق فيصف رجال الثورة الفرنسية و مفكريها بأرق الكلام :
الحكماء المتأخرون الغربيون ساعدتهم ظروف المكان و الزمان , و خصوصية الأحوال , لاختصار الطريق فسلكوه , و استباحوا ما استباحوا, حتى انهم استباحوا في التمهيد السياسي تشجيع أعوان المستبد على تشديد وطأة الظلم و الإعتساف بقصد تعميم الحقد عليه .

وقد سبق هؤلاء الغلاة فئة اتبعت أثر النبيين , و لم تحفل بطول الطريق و تعبه فنجحت و رسخت , و أعني بتلك الفئة أولئك الحكماء الذين لم يأتوا بدين جديد , و لا تمسكوا بمعاداة كل دين كمؤسسي جمهورية الفرنسيين , بل رتقوا فتوق الدهر في دينهم بما نفحوا و هذبوا و سهلوا و قربوا , حتى جددوا , وجعلوه صالحا لتجديد خليق أخلاق الأمة . / لم نقرأ- قبل أو بعد 11 سبتمبر - اجمل من هذا الوصف الذي يصلح لان يكون دعوة للإصلاح و التجديد الديني و الدنيوي أولم يقل أيضا في باب الاستبداد و الدين بأن الحاصل أن كل المدققين السياسيين يرون أن السياسة و الدين يمشيان متكاتفين , و يعتبرون أن إصلاح الدين هو أسهل و أقوى و أقرب طريق للإصلاح السياسي. أي إن الكواكبي و من قرن و عقد - قيل 11 سبتمبر ب 11 عقد من الزمان فطن الى ضرورة الإصلاح العقائدي و السياسي ليس بإيعاز من الخارج و لا رضوخا لضغوطات أمريكية صهيونية..!!! ) رافعا لواء إنسانية الفرد الإنسان و حقوقه و مشخصا المسلم و فطرته و نوازعه التحررية و دارسا العربي و الإباء المرجو له و الذي يستحقه والخصوصية السورية التي عايشها و وعى التركيب الفسيفسائي المنسجم الرائع و الباقة البرية المتداخلة والفواحة أبدا عطر حضارة مزيج رائع دائما, داعيا و مبشرا وبهدوء و تؤدة لخلع رداء الاستبداد البغيض بعد الترويج الدؤوب لمحاسن الحرية الفردية كحامية لحرية الوطن و الدين و بعث الجوانب الأنسانية الحميدة المخبأة بأمر (الحاكم بأمره) /
المقتطف
04-08-2005, 12:34 AM
الاستبداد و التربية

في فصل الاستبداد و التربية يقول مستهلا : خلق الله في الإنسان استعدادا للصلاح و استعدادا للفساد , فأبواه يصلحانه و أبواه يفسدانه . أي إن التربية تربو باستعداده جسما و نفسا و عقلا ان خيرا فخير وان شرا فشر . و قد سبق أن الاستبداد المشؤوم يؤثر على الأجسام فيورثها السقام , و يسطو على النفوس فيفسد الأخلاق , و يضغط على العقول فيمنع نمائها بالعلم . بناء عليه تكون التربية و الاستبداد عاملين متعاكسين في النتائج , فكل ما تبنيه التربية مع ضعفها يهدمه الاستبداد بقوته , وهل يتم بناء وراءه هادم .
..والاستبداد ريح صرصر فيه إعصار يجعل الإنسان كل ساعة في شأن , و هو مفسد للدين في أهم قسميه أي الأخلاق , و أما العبادات فلا يمسها لأنها تلائمه في الأكثر .
الأسير المعذب المنتسب الى دين يسلي نفسه بالسعادة الأخروية , فيعدها بجنان ذات أفنان و نعيم مقيم أعده له الرحمن ,و يبعد عن نفسه أن الدنيا عنوان الآخرة و أنه ربما خاسر الصفقتين . و لبسطاء الإسلام مسليات أظنها خاصة بهم يعطفون مصائبهم عليها وهي على نحو : الدنيا سجن المؤمن , المؤمن مصاب , إذا أحب الله عبدا ابتلاه ,هذا شأن آخر الزمان . و يتناسون حديث ((إن الله يكره العبد البطال )) , ((إذا قامت الساعة و في يد أحدكم فسيل فليغرسه )) , ويتغافلون عن ذلك النص القاطع المؤجل قيام الساعة إلى ما بعد استكمال الأرض زخرفتها وزينتها .
الاستبداد يضطر الناس الى استباحة الكذب و التحيل و النفاق و التذلل. و إماتة النفس و نبذ الجد و ترك العمل .
العرض , زمن الاستبداد , كسائر الحقوق غير مصون , بل معرض لهتك الفساق من المستبدين و الأشرار من أعوانهم .
إن أخوف ما يخافه الأسير هو أن تظهر نعمة الله في الجسم أو المال , فتصيبه عين الجواسيس ( وهذا أصل عقيدة إصابة العين )! .أن يظهر له شأن في علم أو جاه أو نعمة مهمة , فيسعى به حاسدوه إلى المستبد( و هذا أصل الحسد الذي يتعوذ منه ) !!
و من غريب الأحوال أن الأسراء يبغضون المستبد و لا يقوون على استعمالهم معه البأس الطبيعي الموجود في الإنسان إذا غضب , فيصرفون بأسهم في وجهة أخرى ظلما : فيعادون فئة مستضعفة , أو الغرباء , أو يظلمون نساءهم و نحو ذلك . ( أو كل ذلك )
و قد اتضح ان التربية غير مقصودة ولا مقدورة في ظل الاستبداد الا ما قد يكون بالتخويف من القوة القاهرة . و قد أجمع علماء الاجتماع و الاخلاق و التربية على أن الاقناع خير من الترغيب فضلا عن الترهيب, وأن التعليم مع الحرية بين المتعلم و المتلقي, أفضل من التعليم مع الوقار .
ومن يتأمل جيدا في قوله تعالى : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب } ملاحظا أن معنى القصاص لغة التساوي مطلقا لا مقصورا على المعاقبة بالمثل في الجنايات فقط , و من يدقق النظر في القرآن الكريم و سائر الكتب السماوية , و يتبع مسالك الرسل العظام عليهم الصلاة و السلام , يرى أن الاعتناء في طريق الهداية فيها منصرف إلى الإقناع , ثم إلى الإطماع عاجلا أو أجلا , ثم إلى الترهيب الآجل غالبا مع ترك أبواب تدلي إلى النجاة .
أخيرا ينهي الفصل بنتيجة : إذا كان لا مطمع في التربية العامة على الأصول الحميدة بمانع طبيعة الاستبداد , فلا يكون لعقلاء المبتلين به إلا أن يسعوا أولا وراء إزالة المانع الضاغط على العقول , ثم بعد ذلك يعتنوا بالتربية حيث يمكنهم حينئذ أن ينالوها على توالي البطون و الله الموفق .

الاستبداد و الترقي

الحركة سنة عاملة في الخليقة دائبة بين شخوص و هبوط . فالترقي هو الحركة الحيوية أي حركة الشخوص , ويقابله الهبوط و هو الحركة إلى الموت أو الاستحالة أو الانقلاب.
هكذا يستهل الكواكبي الفصل ويضيف , فإذا رأينا في أمة آثار حركة الترقي هي الغالبة على أفرادها , حكمنا لها بالحياة . بل يؤكد على لسان بعض السياسيين : وبعض السياسيين يبني على هذه القاعدة أنه يكفي الأمة رقيا أن يجتهد كل فرد منها بترقية نفسه بدون أن يفتكر في ترقي مجموع الأمة .
و يحذر : و قد يبلغ الاستبداد بالأمة أن يحول ميلها الطبيعي من طلب الترقي الى طلب التسفل . ..نعم : أسراء الاستبداد أحق بوصف مساكين من عجزة الفقراء.
و ينصح ناقلا إجماع الحكماء : قد أجمع الحكماء على أن أهم ما يجب عمله على الآخذين بيد الأمم , الذين فيهم نسمة مروءة و شرارة حمية , الذين يعرفون ما هي وظيفتهم بأزاء الإنسانية الملتمسين لاخوتهم العافية أن يسعوا الى رفع الضغط عن العقول لينطلق سبيلها في النمو فتمزق غيوم الأوهام التي تمطر المخاوف , شأن الطبيب في أعتنائه أولا بقوة جسم المريض , و أن يكون الإرشاد متناسبا مع الغفلة خفة و قوة : كالساهي ينبهه الصوت الخفيف , و النائم يحتاج الى صوت أقوى و الغافل يلزمه صياح و زجر. / العلاج بالتدرج ام بالصدمة / فالأشخاص من هذا النوع الأخير , يقتضي لإيقاظهم الآن بعد أن ناموا أجيالا طويلة , أن يسقيهم النطاسي البارع مرا من الزواجر و القوارص علهم يفيقون , و إلا فهم لا يفيقون , حتى يأتي القضاء من السماء فتبرق السيوف و ترتعد المدافع و تمطر الالبنادق فحينئذ يصحون و لكن صحوة الموت . /هرمجدون الاستبداد - هل هو استشراف لملحمة الاستعمار التقليدي ثم الحديث منه و ما الذي هو ما بعد الحداثة منه. ثم هل يجب أن نصنف هذا الكلام بأنه مما يصب في طاحونة الأعداء المتربصين المروجين لفك اللحمة الوطني/

الاستبداد و التخلص منه

بعد إشادته بالتاريخ الطبيعي و علوم استقرائه يشير أنكل الأمم مرت في تقلبات سياسية على سبيل التجريب و بحسب تغلب أحزاب الاجتهاد أو رجال الاستبداد .
ثم يطرح عدد من المباحث يمكن تلخيصها كالتالي :
1-ما هي الأمة أي الشعب :فيقر برفض كون الامة جمعية عبيد لمالك غالب وظيفتهم الطاعة و الانقياد ولو كرها و إنما جامعة سياسية اختيارية , لكل فرد حق إشهار رأيه وفقا ل : ((كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته )) .
2-ما هي الحكومة: سلطة امتلاك فرد لجمع يتصرف برقابهم , أم وكالة تقام بإرادة الأمة لأجل إدارة شؤونها المشتركة
3-ما هي الحقوق العمومية : هل هي حقوق آحاد الملوك و لكنها تضاف للشعوب مجازا أم حقوق جموع الأمم تضاف للملوك مجازا .
التساوي في الحقوق محفوظة للجميع على التساوي -4
5-الحقوق الشخصية هل الحكومة تملك السيطرة على الأعمال و الأفكار , أم أفراد الأمة أحرار في الفكر مطلقا ما لم يخالف القانون الاجتماعي , لأنهم أدرى بمنافعهم الشخصية , و الحكومة لا تتدخل إلا في الشؤون العمومية ؟
6-نوعية الحكومة : هل الاصلح الملكية المطلقة أم الملكية المقيدة و ما هي القيود ؟ أم أم الرئاسية الانتخابية الدائمة مع الحياة أم المؤقتة إلى أجل ؟ وهل تنال الحاكمية بالوراثة , أو العهد , أو الغلبة ؟
7-ما هي وظيفة الحكومة وظيفة الحكومة مقيدة بقانون موافق لرغائب الأمة و إن خالف الأصح . و إذا اختلفت الحكومة مع الأمة في اعتبار الصالح و المضر على الحكومة أن تعتزل الوظيفة .
8-حقوق الحاكمية هل للحكومة أن تخصص بنفسها لنفسها ما تشاء من مراتب العظمة , و رواتب المال ,و تحابي من تريد بما تشاء من حقوق الأمة و أموالها ؟؟؟ أم يكون التصرف في ذلك كله إعطاءً و تحديدا و منعا منوطا بالأمة
طاعة الأمة للحكومة لا طاعة عمياء بلا فهم و لا إقناع لتأتي الطاعة بإخلاص و أمانة -9
10-توزيع التكليفات الأمة تقرر النفقات اللازمة و تعين موارد المال , و ترتب طرائق جبايته و حفظه .
11-إعداد المنعة هل يكون إعداد القوة بالتجنيد و التسليح استعدادا للدفاع مفوضا لإرادة الحكومة إهمالا , أو إقلالا , أو إكثارا , أو استعمالا على قهر الأمة , أم يلزم أن يكون ذلك برأي الأمة و تحت أمرها , بحيث تكون القوة منفذة رغبة الأمة لا رغبة الحكومة .
12- المراقبة على الحكومة-12
13-حفظ الأمن العام الحكومة مكلفة بحراسة الأشخاص حتى من بعض طوارئ الطبيعة بالحيلولة لا بالمجازاة و التعويض
14-حفظ السلطة في القانون هل يكون للحكومة ايقاع عمل إكراهي على الأفراد برأيها أي بدون الوسائط القانونية , أم السلطة منحصرة في القانون , إلا في ظروف مخصوصة و مؤقتة ؟
15-تأمين العدالة القضائية العدل ليس ما تراه الحكومة , إنما ما يراه القضاة المصون وجدانهم من كل مؤثر غير الشرع و الحق , و من كل ضغط حتى ضغط الرأي العام .
16- حفظ الدين و الآداب-16
17- 17-تعين الأعمال بقوانين
18-كيف توضع القوانين يضع القوانين جمع منتخب من قبل الكافة ليكونوا عارفين حتما بحاجات قومهم و ما يلائم طباعهم و صوالحهم . 19-ما هو القانون و قوته نصوص خالية من الإيهام و التعقيد و حكمها شامل كل الطبقات , و لها سلطان قاهر مصون من كل التأثيرات .
20-توزيع الأعمال و الوظائف هل يكون الحظ في ذلك مخصوصا بأقارب الحاكم و عشيرته و مقربيه ؟
21-التفريق بين السلطات السياسية و الدينية و التعليم {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه }
22-الترقي في العلوم و المعارف هل يترك للحكومة صلاحية الضغط على العقول كي يقوى نفوذ الأمة عليها ؟ جعل التعليم الابتدائي عموميا بالتشويق أم بالإجبار , وجعل التعليم و التعلم حرا مطلقا
التوسع في الزراعة و الصنائع تلزيم الحكومة تسهيل مضاهات الأمم السائرة-23
24-السعي في العمران هل نترك ذلك لإهمال الحكومة المميت , أو لانهماكها فيه إسرافا و تبذيرا ؟ أم تحمل على اتباع الاعتدال المتناسب مع الثروة العمومية
25-السعي في رفع الاستبداد هل ينظر من الحكومة ذاتها , أم نوال الحرية و رفع الاستبداد رفعا لا يدع مجالا لعودته من وظائف عقلاء الأمة ؟؟

يقول الكواكبي أن الخمسة و العشرين مبحثا تحتاج لتدقيق عميق و تفصيل طويل و انه ذكرها للتذكرة لدى ذوي الألباب و تنشيطا للنجباء و يقتصر على : بعض الكلام فيما يتعلق بمبحث رفع الاستبداد فقط , فأقول :
الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية .-1
الاستبداد لا يقاوم بالشدة إنما يقاوم باللين و التدرج .-2
يجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة ماذا يستبدل به الاستبداد .-3
هذه قواعد رفع الاستبداد وهي قواعد تبعد آمال الأسراء , و تسر المستبدين , لأن ظاهرها يؤمنهم على استبدادهم . و لهذا أذكر المستبدين بما أتزرهم به الفياري المشهور : ((لا يفرحن المستبد بعظيم قوته و مزيد احتياطه فكم من جبار عنيد جندله مظلوم صغير ))
مبنى قاعدة كون الأمة التي لا يشعر أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية هو :
أن الأمة إذا ضربت عليها الذلة و المسكنة و توالت على ذلك القرون و البطون ,تصير تلك الأمة سافلة الطباع حسبما سبق تفصيله في الأبحاث السالفة ,حتى انها تصير كالبهائم , أو دون البهائم لا تسأل عن الحرية ,ولا تلتمس العدالة , و لا تعرف للاستقلال قيمة , أو للنظام مزية , و لا ترى لها في الحياة وظيفة غير التابعية للغالب عليها ,أحسن أو أساء على حد سواء ,و قد تنقم على المستبد نارا و لكن طلبا للانتقام من شخصه لا طلبا للخلاص من الاستبداد . فلا تستفيد شيئا إنما تستبدل مرضا بمرض كمغص بصداع .
و قد تقاوم المستبد بسوق مستبد آخر تتوسم فيه أنه أقوى شوكة من المستبد الأول . فإذا نجحت لا يغسل هذا السائق يديه إلا بماء الاستبداد فلا نستفيد أيضا شيئا , إنما تستبدل مرضا مزمنا بمرض حاد ,و ربما تنال الحرية عفوا فكذلك لا تستفيد منها شيئا كونها لا تعرف طعمها فلا تهتم بحفظها , فلا تلبث الحرية أن تنقلب فوضى , و هي إلى استبداد مشوش أشد وطأة كالمريض إذا انتكس . و لهذا قرر الحكماء أن الحرية التي تنفع هي التي تحصل عليها بعد استعداد لقبولها , و أما التي تحصل عليها بعد ثورة حمقاء فقلما تفيد شيئا ,لأن الثورة تكتفي بقطع ثورة الاستبداد و لا تقتلع جذورها , فلا تلبث أن تنمو و تعود أقوى مما كانت عليه أولا .
فإذا وجد في الأمة الميتة من تدفعه شهامته للأخذ بيدها و النهوض بها فعليه أولا : أن يبث فيها الحياة و هي العلم , أي علمها بأن حالتها سيئة و إنما بالإمكان تبديلها بخير منها , فإذا هي علمت يبتدئ فيها الشعور بآلام الاستبداد . ثم يترقى هذا الشعور بطبعه من الآحاد إلى العشرات , إلى إلى ....حتى يشمل أكثر الأمة و ينتهي بالتحمس و يبلغ بلسان حالها منزلة قول الحكيم المعري :
إذا لم تقم بالعدل فينا حكومة فنحن على تغيرها قدراء
و مبنى قاعدة أن الاستبداد لا يقاوم بالشدة , إنما يقاوم بالحكمة و التدرج هو : أن الوسيلة الوحيدة الفعالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقي الأمة في الإدراك و الإحساس , و هذا لا يأتي إلا بالتعليم و التحميس . و هذا لا يأتي إلا في زمن طويل , لأن العوام مهما ترقوا في الإدراك لا يسمحوا باستبدال القشعريرة بالعافية الا بعد التروي المديد , و ربما كانوا معذورين لأنهم لم ألفوا أن لا يتوقعوا من الرؤساء و الدعاة إلا الغش و الخداع غالبا.
و لهذا كثيرا ما يحب الأسراء المستبد الأعظم إذا كان يقهر معهم بالسوية الرؤساء و الأشراف , و كثيرا ما ينتقم الأسراء من الأعوان فقط ولا يمسون المستبد بسوء , لأنهم يرون ظالمهم هم الأعوان مباشرة دون المستبد .
ثم إن الاستبداد محفوف بأنواع القوات التي فيها قوة الإرهاب بالعظمة و قوة الجند, لا سيما إذا كان الجند غريب الجنس , و قوة المال , و قوة رجال الدين ,وقوة أهل الثروات , و قوة الألفة على القسوة , و قوة الأنصار الأجانب ’ هذه القوات تجعل الاستبداد كالسيف لا يقابل بعصا الفكر الذي هو في أول نشأته يكون أشب بغوغاء , و من طبع الفكر العام أنه إذا فار في سنة يغور في سنة , و إذا فار في يوم يغور في يوم ,بناء عليه يلزم لمقاومة تلك القوات الهائلة مقابلتها بما يفعله الثبات و العناد المصحوبان بالعزم و الإقدام .
الاستبداد لا ينبغي أن يقاوم بالعنف , كي لا تكون فتنة تحصد الناس حصدا , نعم , الاستبداد قد يبلغ من الشدة درجة تنفجر عندها الناس انفجارا طبيعيا , فإذا كان في الأمة عقلاء يتباعدون عنها ابتداء , حتى إذا سكنت ثورتها نوعا و قضت وظيفتها في حصد المنافقين , حينئذ يستعملون الحكمة في توجيه الأفكار نحو تأسيس العدالة , و خير ما تؤسس يكون بإقامة حكومة لا عهد رجالها بالاستبداد و لا علاقة لهم بالفتنة .
العوام لا يثور غضبهم على المستبد غالبا إلا عقب أحوال مخصوصة مهيجة فورية . منها :
عقب مشهد دموي م}لم يوقعه المستبد على مظلوم يريد الانتقام لناموسه .-1
-2عقب حرب يخرج منها المستبد مغلوبا . ولا يتمكن من إلصاق عار الغلب بخيانة أحد القواد.
-3-عقب تظاهر المستبد بإهانة الدي
عقب تضيق شديد عام مقاضاة لمال كثير لا يتيسر إعطائه حتى على أواسط الناس .-4
في حالة مجاعة أو مصيبة عامة .-5
عقب ظهور موالاة شديدة من المستبد لمن تعتبره الأمة عدوا لشرفها .-6
ثم يسرد الكواكبي طرائق شتى يسلكها مثيري الخواطر على الاستبداد بالسر و البطء : يستقرون تحت ستار الدين , فيستنبتون غابة الثورة في بذرة أو بذرات يسقونها بدموعهم في الخلوات . وكم يلهون المستبد بسوقه إلى الاشتغال بالفسوق و الشهوات , و كم يغرونه برضاء الأمة عنه , و يجسرونه على مزيد من التشديد , و كم يحملونه على إساءة التدبير , و يكتمون الرشد , و كم يشوشون فكره بإرباكه مع جيرانه و أقرانه .لأجل غاية واحدة ,هي أبعاده عن الانتباه إلى سد الطريق التي فيها يسلكون . أما أعوانه , فلا وسيلة لإغفالهم عن إيقاظه غير تحريك أطماعهم المالية مع تركهم ينهبون ما شاءوا

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

السلام عليكم
شكرا على هذا الملخص الممتاز
http://nagibelkilany.blogspot.com/

Ahmed أحمد يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
Ahmed أحمد يقول...

شكرا علي الملخص

سوف أشتري الكتاب لأقرائه

خاصة في ظل ثورات الوطن العربي علي الحكام المستبدين

احمد - مصر