الثلاثاء، 12 فبراير 2008

لنبكي رفيق الحريري قبل أن نبكي لبنان



ترددت كثيرا قبل كتابه هذا المقال لأنني كالشهيد الحريري لست من محترفي السياسه ولا حتى مضامينها الفكريه والتحليليه ولاعتمادي على قول الحقيقه وخشيه من اعتبار ماسيقال تملقا في عالم نفاقنا السياسي والذي يعتبر في يومنا هذا قوتا للكثيرين أمر أحب النأي عنه لأن ثروه الانسان وذخرته هي الكلمه الصادقه وقول الحق لأنه أي الحق هو الذي سيبقى ويعطي للمرء قيمته الحقيقيه مهما تعثر المرء بمطبات ومصائد النفاق وممتهنيه
أنوه أولا لحقيقه شبه ثابته وهي أنه في معظم دول العالم الثالث وكنتيجه طبيعيه للفقر والعوز أصبحت مهنه السياسه لاتخرج عن كونها مهنه ومطيه للوصول الى مركز ما لملئ البطون والجيوب كنتيجه طبيعيه لفقر وجوع مزمن طبيعي في تلك البلاد اجمالا ومن بينها بطبيعه الحال بلادنا العربيه
وان كان الحال اللبناني فريدا من نوعه ضمن تلك الظاهره من الانتفاع السياسي لأن ممتهنيه ينتمون لعائلات عريقه وميسوره الحال اجمالا وهذه العائلات كل تنتمي لطائفتها لأن البلاد مقسمه وموزعه مابين طوائف وأقليات تحت مسمى الاقطاع السياسي
لذلك فاختلاف الوضع هنا عن أقران لبنان من بقيه الدول العربيه أن السياسي اجمالا وخاصه من عائلات الاقطاع السياسي هم من الشبعانين بالمصطلح العامي
لكن بالرغم من هذه الخاصيه المميزه للبنان فان نفع السياسي كان كل لطائفته ولفئته ومنطقته وهكذا سارت امور البلاد اجمالا حتى وصول الظاهره الفريده والوحيده لحد اللحظه وهي ظاهره رفيق الحريري
رجل ابن اسره فقيره من صيدا درس في مدارس البسطاء وأكل وشرب معهم ومنهم تشرب حنينه لعبق شجر الليمون الذي رافقه في رحله الاغتراب بحثا عن الرزق الى المملكه العربيه السعوديه حيث عمل كمدرس صباحا ومحاسب بعد انتهاء الدوام حتى سنحت الظروف لهذا الرجل العصامي ببناء علاقات وثروه كونها بجهد وكما يحلو له القول بالصدق والاتقان وكلمه الحق
باختصار شديد هذا هو الحريري. رجل تكفيه بضع كلمات لوصفه ليس انتقاصا لمكانه الرجل بل لأن الافعال تطغى على الاقوال وجزاء الرجل هو عند ربه لماقدمه فيما بعد لبلاده ولست أهلا لوصف ماقدم هذا الانسان لبلده لأننا قد نحتاج لمجلدات وكلمات لاتحصى لأن ماقدمه للبنان كان كثيرا خلافا لماقدمه الآخرون بدون أي انتقاص لجهودهم الجليله
حاول الرجل اعاده بناء وطن منهك ومهدم جراء حرب أهليه مفتعله ومدفوعه الثمن مسبقا لأسباب معروفه لاحاجه للخوض في تفاصيلها
أول ماعمله كان ترميم مدرسته البسيطه المجانيه مدرسه البسطاء في صيدا حيث كانت بداياته مع نور العلم والذي دفعه فيما بعد لانشاء مؤسسه الحريري والتي تخرج من صلبها وعلى نفقتها عشرات آلاف الطلبه اللبنانيين من كل الطوائف والاقليات بلا استثناء
أراد الرجل تعويض رغبه جامحه لديه في تعويض مافاته من تحصيل للعلم سعيا وراء لقمه العيش عبر تعليم الآلاف حيث وجد فيهم نفسه ووجد فيهم مستقبل البلاد حيث تصرف كل دول العالم المتقدم حصصا عاليه من دخلها القومي في التعليم لأن العلماء هم بناه الوطن أيا كان هذا الوطن
أقحم الرجل في السياسه وبمباركه العربيه السعوديه التي يحمل جنسيتها اعتقادا بأن الانخراط في العمل السياسي سيسهل مهمه اعمار البلاد
البدايه كانت مميزه واعاده الاعمار بدأت بجد وسرعه ملفته للنظر
لكن حقيقه الامر أن وجود رجل قوي في لبنان يكسب البلاد قوه ستهدد جوارها كالجاره الجنوبيه اسرائيل والتي تجد في لبنان موحدا قويا مبنيا على أسس علميه وحضاريه مقترنا بديمقراطيه تهديدا جديا خاصه بعد سعيها وتغذيتها كطرف غير مباشر للحرب الاهليه اللبنانيه
كذلك الامر يقال بالنسبه للجاره الشماليه سوريا والتي ينتسب أغلب سياسييها الحاليين ينتمون الى أصول متواضعه امتطوا الحكم عبر الشعارات والانقلابات كما هو السائد في دول العالم الثالث كما ذكرنا لملئ البطون والجيوب أي الانتفاع الشخصي أولا وثانيا وثالثا ثم ان تبقى شيء من الفتات فهو لبقيه العباد
لذلك اعتبرت المجموعه الحاكمه في سوريا لبنان امتدادا للحظيره السوريه وكله مباح من أرزاق وخيرات حتى الاصطدام مع الحريري الذي رفض محاولات الابتزاز السوريه لأنه وببساطه الحال لم يأت لدفع أتاوات لفلان وعلتان اعتباربأن لبنان هو بلد معترف به عالميا كدوله مستقله خلافا لما اعتاد السوريون في بلادهم دفعها أي تلك الاتاوات تحت مسميات عده للمجموعه الحاكمه ناهيك عن أن حاله الفوضه والتي غذتها سوريا في لبنان كانت تدر المال الوفير على حسابات المجموعه الحاكمه في سوريا
لذلك بالرغم من حفاوه ومحبه وحماس اللبنانيين لاعمار بلادهم والتفافهم حول الحريري كانت المؤامرات تحاك حوله وما تأخير ماحصل له لاحقا كان للرعايه السعوديه واحترام الاسد الاب للاراده السعوديه وبقي الحريري على مضض من السوريين حتى رحيل الاسد الاب
عند وصول الابن الى سده الحكم تحول الامن في لبنان الى حاله من الفوضى لأن من تحكموا بالأمن في لبنان لاحقا كانوا يتصرفون بصوره عفويه و شبه مستقله عن ضبط القصر الجمهوري في دمشق وتدخله المباشر كما كان سائدا أيام حافظ الاسد الامر الذي خلق فوضى أمنيه سوريه في لبنان أدت لاحقا لاغتيال الحريري
سواء كانت سوريا هي المسؤول المباشر عن اغتيال الحريري أم لا فان مسؤوليه الامن في لبنان كانت برمتها تحت الوصايه السوريه وادخال أكثر من ألف كيلو من المتفجرات الى موقع الجريمه لايمكنه الحصول حسب تصريحات السيد عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق دون معرفه ومباركه الجهات الامنيه العليا في سوريا بل القصر الجمهوري نفسه
استشهاد الحريري بهذه الطريقه مهما كانت دوافعها ومدبريها تدل أولا على أن مهنه السياسه في العالم الثالث اجمالا وعالمنا العربي خصوصا هي مهنه لاتتفق في أغلب مراحلها مع الراغبين في خدمه بلادهم الا ماندر لأن النفاق السياسي المستشري ومايرافقه من فساد اداري يجعل من هذه المهنه مهنه الباحثين عن الرزق تحت غطاء من الشعارات وسراب الوعود هي الاكثر ظهورا وتمرسا
أما من يسعى حقا وحقيقه لبناء بلده ممتنعا عن الدخول في متاهات النفاقيات والفساد السياسي قد يكون مصيره كمصير الحريري أو في أحسن الاحوال الاقصاء والاستغناء عن خدماته بذرائع شتى
في مايسمى اليوم الفيلانتروبيا أي أعمال الخير التي يقوم بها الاثرياء نجد أغلب الاسماء تقع في دول متقدمه ونذكر على سبيل المثال لا الحصر بيل غيتس مؤسس ميكروسوفت الذي يتبرع سنويا للاعمال الخيريه في العالم النامي بما يعادل ال 15 مليار دولار كذلك الامر بالنسبه ا جورج سورس الملياردير المسيطر على المضاربات في أغلب أسواق المال العالميه
كل هؤلاء سيذكرهم الزمان لأنهم قدموا الكثير للبشريه كل في موقعه ومكانه واستطاعته
لذلك فان ماقدمه الحريري لبلاده لن يزول لأنه وببساطه أعطى كثيرا وكثيرا وما أخذه بالمقابل هو حب أهل لبنان ودعواتهم له ولكل الاخيار بالرحمه وفسيح جنات الرحمن
فليتعظ سياسيو لبنان اليوم بذكرى وتجربه الحريري وليكونوا مثالا للعطاء والاخوه ولينبذوا مصالحهم الضيقه لأن الامور لو استمرت على ماهي عليه فسيأتي الدور على لبنان بأكمله لنبكيه كما نبكي اليوم رفيق الحريري
حمى الله لبنان من أطماع الطامعين وأدامه عزيزا واحدا موحدا آمين

د.مرادآغا

ليست هناك تعليقات: